الاثنين، 16 أكتوبر 2017

اللقاء الأخير مع (تهمينة)

اللقاء الأخير مع تهمينة
.....جاء المحقق يوماً إلى الزنزانة وكانت في يده ورقة وقال لها أما أن تجري مقابلة أو تأخذي هذه الورقة وتكتبي وصيتك، كانت (تهمينة) في حالة ابتسامة وبنفس الصورة لم ترفع عينها عن المحقق قامت دون أن تتفوه بكلمة واحدة وأخذت الورقة من يده وعادت وجلست. انفعل المحقق كثيراً وركلها عدة ركلات بقدميه وشتمها وخرج من الزنزانة وغلق الباب بقوة لهذا كتبت (تهمينة) وصيتها بنفس الابتسامة وودعتناجميعاً، وأخذوها للإعدام بعد ساعة من خروجه....

اللقاء الأخير مع (تهمينة)

من كتاب رحلة العذاب في زنازين الملالي
بقلم المجاهدة ” هنغامة حاج حسن ”

في الصباح جاء الحرس وأخرج ثلاث نساء من الغرفة، كنا أنا و(تهمينة) وامرأة أخرى، كانت عيوننا معصوبة، أمسك الحرس عصاً بيده وأعطى أحد طرفي العصا للسجينة الأولى وقال امسكيها، وضعت (تهمينة) يدها فوق كتف تلكالسجينة، وأنا أيضا وضعت يدي على كتف (تهمينة) وسرنا، في الحقيقة أخذونا من الشعبة الثانية إلى القفص ٢٠٩ وقد أدركت فيما بعد أنهم نقلونا إلى القفص ٢٠٩ لأن قوات الجيش هي التي اعتقلتنا، وهذا القفص يعود للجيش، كما هو حالنا أن الأشخاص الذين يعتقلون بواسطة اللجان يحققون معهم في أماكن مختلفة من سجن (إيفين) التي يسمونها بالشعبة ولكن ليس هناك فرق بين كليهما في المحتوى، لكن هذه الازدواجية كانت تعكس الصراعات والنزاعات الفئوية بينهم،أن أفراد الجيش يبدون في الظاهر أفرادًا متعلمين والبعض كانوا طلاباً جامعيين وحسب تعبيرهم كانوا يحققون ويعذبون بأسس أكثر صحة وتعقيداً، مثل أفراد اللجان الذين لم يكتفوا بتعذيب وتقتيل السجين إذ كانوا يعملون ساعين لانتزاع المعلومات، وكانوا يمارسون التعذيب بالتدريج مستعينين في هذا العمل بأفراد من جلادي شرطة الشاه السرية (سافاك) واستفادوا من تجاربهم في استجواب السجين وانتزاع الاعترافات منه بوسائل التعذيب المختلفة أما حرفة خميني فإن الشاه وسائر الدكتاتوريين لم يستفيدوا منها، لأنه كان يصنع من الطلاب الجامعيين معذبين وجلادين.


قد وضعت يدي على كتف (تهمينة) وتحركنا، وكان يقول لي شعوري أنها المرة الأخيرة التي ألمسها فيها. كان هذا الشعور يقلقني بشدة وجعلني قليلة الصبر، وبصورة عفوية ضغطت على كتفها بهدوء، ويبدو أنها أدركت شعوريهذا فوضعت يدها فوق يدي وأمسكت بها فشعرت أنها شملتني بتدليلها وعطفها،وكان هذا لقاؤنا الأخير، حينما دخلنا القفص ٢٠٩ أبعدونا عن بعضنا وأخذوا كل واحدة منا باتجاه، أخذوني داخل غرفة وتركوني لوحدي، وكانوا قد وضعوا على الطاولة التي أمامي كل المكتوبات والمستندات التي أخذوها مني، وكنت أراها من تحت العصبة الموجودة على عيوني ولكن كنت لا أستطيع أن أفعل شيئًا وكنت أعتقد أنهم جعلوني تحت المراقبة بالتدريج وبحذر شديد رفعت العصبة قليلاً قليلاًإلى الأعلى تفحصت المكان ونظرت حولي يميناً وشمالاً لم يكن هناك أحد في الظاهر أنهم كانوا يعتقدون أننا لا نعمل ولا نستطيع أن نعمل أيضًا وفي الحقيقة كانوا يفكرون بصورة صحيحة.
تفحصت مستنداتي ومكتوباتي وكنت أريد أن أبحث داخل المستندات والأوراق الأخرى كي أجد اسماً أو أثراً من أفراد محددين لأخذها ولكن الغريب أنه لم تكن تلك التي أبحث عنها موجودة ولم يسألني أحد عنها وأعتقد أنهم قد أضاعوها وهي الوثيقة التي هددوني عنها كثيرًا في الليلة الأولى بعد اعتقالي لكنهم كانوا قد أضاعوها جراء الفوضى، وربما كان شخص بينهم كان يرفع هذا النوع من المستندات ويتلفها لأني بعد ما نقلت إلى القفص الجماعي انتبهت إلى وجودعدة أشخاص آخرين مثلي قد فقدوا أهم الوثائق الموجودة في ملفاتهم، إن التفسيرالممكن الوحيد هو أن أنصارًا للمجاهدين قد اخترقوا صفوف أفراد قوات الحرس والمحققين وهم الذين يقومون بهذه الأعمال، على أية حال وبعد فترة جاء المحقق وما زال يضع ذلك النقاب على وجهه، وبدأ تحقيقه وأنا أيضا كررت نفس إفادتي السابقة، وبعد ذلك ذهبت مرتين أو ثلاث إلى التحقيق وكانوا يطرحون علي نفس الأسئلة بصيغ أخرى، وحسب تعبيرهم أرادوا وبتعقيداتهم الحمقاء، أن يكشفواالتناقض في كلامي، لكني كنت دائماً أردد كل الذي قلته حتى لا أنساه ولا يناقضوا كلامي، ولكن أساس الموضوع كان الذي قلته. إن (تهمينة) تبنت مسئولية جميع ماكانوا يعتبرونه جريمة من وجهة نظرهم وبذلك كانت قد أفلتتنا من التجريم، ولهذا السبب أعدمت تهمينة. أما في فترة التحقيق فكانوا يتعاملون معي كأنه ثبت لهم أنه لا شيء عندي وأني امرأة عادية تركت العمل في المستشفى خوفًا من الاعتقال.
كان القفص ٢٠٩ يضم عدة ردهات وكان في جهة من كل ردهة زنزانات انفرادية كانت مرتبة بصف واحد على شكل قطار، أخذوني إلى أحد الردهات ثم إلى أحد الزنزانات وكان لدى الحارس عصا صغيرة في يده أعطاني أحد طرفيها، كانوا يرشدون النساء السجينات إلى زنزاناتهن بهذا الشكل، وكان سبباستفادتهم من العصا مراعاة للحدود الشرعية أي كانوا يريدون بدجل أن يصورواأنهم يراعون الحرمات ولا يريدون لمس المرأة، كانت هذه المحاولة في وقت لم يكونوا يتروعون عن أي انتهاك لحرمة النساء وارتكاب أية رذيلة بحقهن فكانوا يعدمون الفتيات بعد اغتصابهن، وقد كنت شاهدت بعيني بعض الحالات أنهم كانوايتعاملون مع النساء والفتيات بأقذر التصرفات وكانوا يعرضونهن لأبشع حالات الاغتصاب الجنسي ليدفعونهن إلى الانهيار.
إعدام تهمينة
حينما كنت في الردهة جاءت صوبي طالبة مدرسية وقالت: ناداك شخص هنكامة هل أنت ممرضة؟ فأجبت: نعم فأصبحت مسرورة وقالت: هل أنت صديقة(تهيمنة)؟ قلت بسرور نعم هل لديك خبر عنها؟ فقالت بدون أي مقدمات أنهاأعدمت! شعرت كأني سقطت دفعة واحدة من أعلى مرتفع إلى الأسفل، كنت لاأشعر بأرجلي ولا أستطيع أن أحرك ركبتاي وقد استندت بنفس الصورة على الجدار وجلست، إذ أصابني الدوار لعدة لحظات وكنت مذهولة وتوقف عقلي،شعرت الفتاة بعدم ارتياح وقالت ظننتك أنك تعلمين بهذا، تمالكت نفسي وقلت لا،أنا بخير، قولي لي كيف حصل ذلك وأنت من أين تعرفينني، قالت أسمي(مهشيد) وكنت مع(تهمينة) في زنزانة واحدة في أحد الأيام حينماغسلت ملابسها وجلبتهامن باحة السجن وارتدتها وضعت يدها في جيبها وقالت باستغراب ما هذا؟ فأخرجت ورقة صغيرة مطوية وقرأتها وبضحكة هزت رأسها قالت (هنكامة)! أنت وضعت هذه الرسالة، مزقتها بعد أن قرأتها وألقتها في المرحاض لكي تتخلص منها؟، ثم قالت (هنكامة) صديقتي وكانت قلقلة علي فوضعت لي هذه الرسالة في جيبي.
وكانت تذكر أن (تهمينة) كانت جريئة وشجاعة ومرحة، ومرة قلدت صوت الضفدع لكي تضحك امرأة قد اعتقلوها، ولم تكن قلقة جداً لاعتقالها فجاؤواوأخذوها وقاموا بجلدها واحتجزوها واقفة حتى الصباح في الجو البارد، وعادت في الصباح وكانت ترتجف وهي شاحبة اللون، كان محققها يؤذيها بشدة ويعامل ها بقسوة ولا أعلم ما الذي كان يريده منها حتى كان لا يطلق سراحها، جاء المحقق يوماً إلى الزنزانة وكانت في يده ورقة وقال لها أما أن تجري مقابلة أو تأخذي هذه الورقة وتكتبي وصيتك، كانت (تهمينة) في حالة ابتسامة وبنفس الصورة لم ترفع عينها عن المحقق قامت دون أن تتفوه بكلمة واحدة وأخذت الورقة من يده وعادت وجلست. انفعل المحقق كثيراً وركلها عدة ركلات بقدميه وشتمها وخرج من الزنزانة وغلق الباب بقوة لهذا كتبت (تهمينة) وصيتها بنفس الابتسامة وودعتناجميعاً، وأخذوها للإعدام بعد ساعة من خروجه.
بهذا كنت لا أعلم شيئاً عنها لمدة شهر وكنت أحدس إعدامها ولكني كنت لا أستطيع أن أصدق أنها أعدمت، ربما كنت أريد أن أعزي نفسي بهذه الصورة،كنت لا أصدق عدم وجود تلك الحركة والحيوية والمحبة والإبداع ثانية، في النتيجة كنا في مهنتنا نبذل كل المساعي أحياناً ولو لعدة دقائق ليبقى المريض على قيد الحياة لفترة أطول وقد يكون مرض عضال لكي تمضي لحظات آخر عمرهوالآن كل هذه البشرية من خيرة البشر جميعهم شباب وفي أوج الصحة والسلامة يقتلونهم ويمزقونهم إرباً من أجل الأفكار الظلامية القائمة على التكبر والغطرسة وحب التسلط والتي ينادي بها العجوز الدموي المعروف باسم (خميني)، لماذا؟.…لماذا؟…. وكانت لماذا هذه ليس عليها جواب.

هناك تعليق واحد:

  1. شهداءنا لم يسألوا ماذا وراء الموت؟ كانوا
    يحفظون خريطة الفردوس اكثر من
    كتاب الارض،يشغلهم سؤال آخر:
    ماذا سنفعل قبل هذا الموت؟ قرب
    حياتنا نحيا ، ولا نحيا . كأن حياتنا
    حصص من الصحراء مختلف عليها بين
    آلهة العقار،ونحن جيران الغبار الغابرون.
    حياتنا عبء على ليل المؤرخ "كلما
    اخفيتهم طلعوا عليّ من الغياب "
    حياتنا عبء على الرسام : "ارسمهم،
    فأصبح واحدا منهم ، ويحجبني الغياب"
    حياتنا عبء على الجنرال"كيف يسيل
    من شبح دم "؟!!
    وحياتنا
    هي ان نكون كما نريد.نريد ان
    نحيا قليلا ، لا لشئ ... بل لنحترم
    القيامة بعد هذا الموت. واقتبسوا
    بلا قصد كلام الفيلسوف :" الموت
    لا يعني لنا شئ ، نكون فلا يكون .
    الموت لا يعني لنا سئ ، يكون فلا
    نكون".

    ورتبو احلامهم
    بطريقة اخرى وناموا واقفين!

    ردحذف